يشهد إقليم النواصر منذ أشهر دينامية غير مسبوقة ،بعد أن فتح عامل الإقليم جلال بنحيون واحداً من أعقد الملفات التي أثقلت المنطقة لعقود: ملف التعمير وما يرافقه من اختلالات تراكمت عبر سنوات طويلة. فبين مشاريع أنجزت بتراخيص مثيرة للجدل، ومبانٍ عشوائية ظهرت في واضحة النهار، ومعامل ومستودعات صيغت خارج الضوابط القانونية، يجد الرأي العام نفسه أمام أسئلة ملحّة حول كيفية وصول الوضع إلى ما هو عليه ومن يتحمل مسؤولية ذلك.
المعطيات المتداولة على لسان فعاليات مدنية وسكان محليين تكشف أن جماعة بوسكورة كانت في قلب هذه الإشكالات، حيث تحولت الجغرافيا العمرانية للمنطقة إلى فسيفساء من البنايات غير المتجانسة، بعضها حصل على تراخيص مطعون في قانونيتها، وأخرى شُيّدت خارج كل مساطر المراقبة. وتبرز في هذا السياق قضية ما بات يُعرف بـ“قصر الكرميلين” باعتبارها نموذجاً لملفات تحتاج إلى إعادة التمحيص والتدقيق، وفق ما يطالب به المتابعون للشأن المحلي.
انتشار البناء العشوائي لم يكن ليحدث، وفق مختلف الشهادات، لولا وجود ثغرات على مستوى الرقابة الميدانية، خاصة داخل الملحقتين الإداريتين آرمل الهلال ومركز بوسكورة، حيث تظهر مبانٍ تكتمل على مراحل دون تدخل في بداياتها، قبل أن تتدخل السلطات لاحقاً لإصدار قرارات الهدم، وهو ما يعمّق معاناة الأسر ويطرح علامات استفهام حول جدوى التدخل المتأخر. المجتمع المدني يرى أن هذه الظاهرة تُعد مؤشراً على قصور في آليات التتبع الترابي، خصوصاً فيما يتعلق بدور القياد وأعوان السلطة الذين يفترض أن يكونوا خط الدفاع الأول ضد أي خروقات عمرانية.
من جهته سعى عامل الإقليم جلال بنحيون إلى وضع حد لهذا التراكم من خلال إطلاق عمليات تدقيق شاملة تشمل مراجعة تراخيص قديمة، وتنظيم زيارات مفاجئة للمناطق التي تثير شبهة تجاوزات، فضلاً عن اجتماعات مع المنتخبين والفاعلين المحليين للحد من أي تلاعب أو تساهل في مساطر البناء. هذه المقاربة التي تعتمد الوضوح والمساءلة أعادت الأمل لدى شريحة واسعة من المواطنين الذين ينتظرون أن ينعكس هذا التحرك على أرض الواقع.
وفي الوقت الذي بدأ فيه عدد من الملفات تطفو على السطح، ارتفعت أصوات تطالب وزارة الداخلية بالتدخل المباشر لإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، انسجاماً مع التوجيهات الملكية السامية التي تؤكد على الحكامة الجيدة وإصلاح الإدارة الترابية وتحصين مساطر التعمير من أي استغلال أو تلاعب. وتعتبر الفعاليات المدنية أن المرحلة الحالية قد تكون فرصة تاريخية لإعادة ترتيب البيت الداخلي للإقليم ووضع حد نهائي لفوضى عمرانية كلّفت المنطقة الكثير على مستوى البنية والتنمية.
اليوم يقف إقليم النواصر أمام مفترق طرق حقيقي: إما دخول عهد جديد عنوانه الشفافية والصرامة في تطبيق القانون، وإما البقاء رهينة تراكمات سنوات من الفوضى التي أنهكت النمو العمراني وأضعفت ثقة المواطنين في المؤسسات. وبين هذين الخيارين، ينتظر الرأي العام بشغف ما ستسفر عنه التحركات الجارية، أملاً في أن تنتهي فصول هذا الملف لصالح إقليم يطمح إلى تنمية متوازنة وبنية عمرانية سليمة تحترم القانون وتحمي حقوق الساكنة.


Comments
0