بينما تستضيف مدينة بيليم البرازيلية، بوابة الأمازون، الدورة الثلاثين لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP30) خلال الفترة من 10 إلى 22 نوفمبر 2025، تتجه أنظار العالم نحو هذا الحدث التاريخي الذي يُنتظر أن يحدّد ملامح العقد القادم من العمل المناخي، ويرسم الطريق نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ.
في هذا السياق، أطلقت شبكة بيئة أبوظبي سلسلة من الحوارات المتخصصة مع نخبة من الخبراء والباحثين وصنّاع القرار في المنطقة العربية، لاستطلاع رؤاهم وتوقّعاتهم حيال هذا المؤتمر المفصلي، الذي يأتي في مرحلة دقيقة من تاريخ الكوكب بين التزامات الدول الكبرى ومطالب العالم النامي.
تهدف هذه الحوارات إلى تسليط الضوء على وجهة النظر العربية في القضايا المناخية الراهنة، وتعزيز الحضور العلمي والإعلامي للخبراء العرب في المحافل الدولية. كما تسعى إلى مناقشة ملفات حيوية مثل العدالة المناخية، وتمويل الخسائر والأضرار، والطاقة المتجددة، والتنوع البيولوجي، ودور المجتمعات المحلية في التكيف المناخي.
وفي هذالسياق كشف الدكتور أحمد الشهبوني الأستاذ الجامعي والرئيس المؤسس لمركز التنمية لجهة تانسيفت، مراكش،. من خلال إجاباته حول دور المجتمع المدني في مؤتمر بيليم (COP30)، عن رؤية نقدية وعميقة للمنظومة المناخية الدولية، مقرونة بفهم واقعي للتحديات البنيوية التي تواجه منظمات المجتمع المدني في العالم العربي. وتعكس مداخلاته فكرًا يدعو إلى الانتقال من الحضور الرمزي إلى التأثير الفعلي، عبر الاحترافية، والاستقلالية المالية، والقدرة على الرقابة والمساءلة. في هذا التحليل المختصر، نستعرض أبرز الملامح الفكرية التي تقدمها رؤيته للمجتمع المدني كفاعل أساسي في مواجهة التغير المناخي.
ويرى الشهبوني أن المؤتمرات المناخية، ومنها COP30، تعاني من فجوة كبيرة بين الشعارات والواقع؛ فبينما تتحدّث الدول عن الحد من الانبعاثات، يستمر استهلاك الوقود الأحفوري وتُعاد فتح مناجم الفحم، ولا يتم الالتزام بالتمويل المناخي المتفق عليه. هذا يُظهر فكرًا نقديًا يرفض “الدبلوماسية المناخية الشكلية”، ويطالب بمواءمة الأقوال مع الأفعال.
ويقدّم الشهبوني رؤية واضحة لرفع دور المجتمع المدني من “حضور رمزي” إلى “حضور مؤثر”، من خلال: بناء شبكات إقليمية وقارية فعّالة. واستقطاب خبراء يعملون بدوام كامل وليس متطوعين فقط. وإعداد تقارير مبنية على دراسات ميدانية دقيقة. وضمان استقلالية مالية عن الجهات الملوِّثة. فكره هنا يدعو إلى احترافية مؤسساتية بدل الناشطية العاطفية.
واشار إلى أن جمعيات المنطقة العربية تفتقر للأدوات مقارنةً بنظيراتها الغربية، ليس بسبب نقص الكفاءات، بل بسبب: ضعف الدعم الحكومي. أحيانًا التضييق على المجتمع المدني. غياب فرق عمل متخصصة تتابع السياسات المناخية باستمرار، هذا يعكس رؤية واقعية للتحديات البنيوية التي يجب معالجتها.
كمايرى الشهبوني أن المجتمع المدني قادر على لعب دور محوري في: فضح الملوِّثين والمؤسسات الصناعية غير الملتزمة. تعبئة الفئات المتضررة للدفاع عن حقوقها البيئية. المطالبة بالعدالة المناخية وتمويل التكيف. متابعة تنفيذ الدول لالتزاماتها المناخية، يطرح بذلك مفهوم الرقابة الشعبية للمناخ كجزء من منظومة الشفافية والمساءلة.
وفي نفس الاطاريربط الشهبوني العمل المناخي بقضايا العدالة الاجتماعية، من خلال: تعليم المجتمعات كيفية التكيف مع الكوارث. الضغط لإقامة أنظمة إنذار مبكر وتجهيزات تدخل سريع. إعادة إسكان سكان المناطق المعرضة للخطر. دعم الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر. فكره هنا يتجه نحو مناخ يخدم الإنسان قبل السياسة.
اما بهصوص موقفه من التمويل المناخي:فيرى أن التمويل المناخي واجب على الدول الصناعية المسببة للأزمة، بينما دور المجتمع المدني: ابتكار نماذج محلية للتكيف. وتعزيز الشراكات بين مكونات المجتمع. والضغط على الدول الغنية للوفاء بالتزاماتها المالية. إنه طرح يجمع بين الواقعية الحقوقية والضغط السياسي المنظم.
وخلص الدكتور أحمد الشهبوني في مداخلته في هذالشان الىفي أربعة مبادئ رئيسية: نقد صريح لعدم التزام الدول، تمكين مجتمع مدني محترف، تعزيز الرقابة والمساءلة، ربط العدالة المناخية بتمكين الفئات الهشّة.
كما أن الخبرة العربية المناخية باتت حاضرة بجدارة في المشهد العالمي، حاملةً رؤى واقعية وحلولًا مبتكرة تنبع من خصوصية المنطقة الجغرافية والمناخية والاجتماعية.
إن مؤتمر بيليم لا يمثل محطة تفاوضية فحسب، بل بداية عقد من التحول المناخي العادل، حيث يتقاطع صوت العلم والإرادة السياسية في سبيل مستقبل أكثر استدامة وعدالة للكوكب والإنسان.


Comments
0