فاجعة المنازل الآيلة للسقوط… - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أحول الطقس

فاجعة المنازل الآيلة للسقوط…

IMG_20251210_211649

فاجعة المنازل الآيلة للسقوط…

حين يصبح السكن قبراً صامتاً

 

لا شيء يوجع الإنسان أكثر من أن يتحول البيت، الذي وُجد ليحميه، إلى مصدر خوفٍ ورعب. فاجعة انهيار المنازل ليست مجرد حدث عابر، بل جرحٌ عميق يكشف هشاشة واقع سكني يهدد حياة آلاف الأسر في كل لحظة. انهيار العمارتين بالأمس لم يكن سوى جرس إنذار صادم يعيد طرح السؤال نفسه: إلى متى سيبقى المواطن يسكن تحت سقف قد يسقط فوقه في أي لحظة؟

إن مثل هذه الكوارث لا تحدث صدفة، بل هي نتيجة تراكمات طويلة. هناك مبانٍ قديمة أنهكتها السنوات، لم تنل نصيبها من الترميم ولا من المراقبة الهندسية التي يفترض أن تسبق كل موسم شتاء. وهناك توسعات عشوائية تضيف طوابق فوق أخرى دون دراسة أو احترام لشروط السلامة، لتتحول العمارات إلى هياكل متعبة تحمل فوق طاقتها. ثم هناك عامل الفساد الذي يفتح أبوابها لرخص تُمنح دون احترام المعايير، ولعيون تُغمض عن الشقوق، كأن الأرواح لا تساوي شيئًا.

العمارتان اللتان انهارتا بالأمس ليستا سوى نموذجًا موجعًا. ساكنة تلك المنطقة كانت تعيش داخل جدران تحمل علامات الخطر منذ وقت طويل. شقوق كانت تزداد اتساعًا، جدران كانت تميل ببطء، مياه تتسرب إلى الأساسات… ومع ذلك استمرت الأسر في السكن لأن الواقع أقسى من الخوف: لا بديل، ولا قدرة على الانتقال، ولا حلول تُقَدَّم.

الانهيار لا يسرق جدرانًا فقط، بل يسلب ذاكرة وطمأنينة. العائلات التي تفقد منازلها تعيش صدمة تقلب حياتها رأسًا على عقب. الخوف يستقر في داخلها، وفقدان الثقة في أي سكن يصبح جزءًا من يومياتها. يتضاعف الألم حين يجد المواطن نفسه بلا مأوى، بلا ممتلكات، بلا استقرار، في حين أن المسؤولية موزعة بين أجهزة كان عليها التحرك منذ زمن.

الدولة مطالبة بإحصاء شامل للمباني المهددة بالسقوط، بإعادة تأهيل الأحياء القديمة، وبإخلاء كل منزل يهدد حياة قاطنيه قبل أن يتحول إلى مأساة جديدة. والهيئات التقنية مطالبة برقابة صارمة لا تُساوَم. أما المواطن فعليه أن يبلغ عن أي علامة خطر، وألا يستهين بتصدعات الجدران أو بتسربات المياه التي غالبًا ما تكون بداية الكارثة.

الحلول ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إرادة حقيقية: ترميم منظم بدل الإصلاحات الترقيعية، سكن بديل يحفظ كرامة الأسر، رقابة هندسية غير قابلة للتلاعب، وعقوبات صارمة لكل من يعبث بمعايير البناء. فالأرواح لا تعوّض، والبيوت ليست حجارة، إنها ملاذ الإنسان الأخير.

فاجعة الأمس ليست الأولى، وقد لا تكون الأخيرة إن استمر التعامل مع هذا الملف بنفس اللامبالاة. آن الأوان لسياسة سكنية تحمي حياة الناس قبل أن تتحول المدن إلى مقابر صامتة. ما نحتاجه اليوم ليس الحزن ولا الصدمة المؤقتة، بل إجراءات حقيقية تعيد للإنسان حقه في بيتٍ آمن لا ينهار على جسده وأحلامه.

Leave a Reply

1000 / 1000 (Number of characters left) .

Terms of publication : Do not offend the writer, people, or sacred things, attack religions or the divine, and avoid racist incitement and insults.

Comments

0
Commenters opinions are their own and do not reflect the views of m3aalhadet مع الحدث