في الفترة الأخيرة برزت للأسف موجة من التعليقات والهجومات الموجهة ضد رابطة متخصصي الصحة النفسية والعقلية بالمغرب، وكأنّ البعض لم يستسغ النجاح المتسارع الذي حققته الرابطة في وقت وجيز، ولا الدينامية الجديدة التي خلقتها داخل المجال النفسي على المستوى الوطني. وما يدعو إلى الاستغراب هو أن هذا الهجوم لا يستند إلى أي نقد علمي أو مهني، بل إلى ردود فعل انفعالية وقراءات سطحية وتخمينات لا علاقة لها بالواقع.
الرابطة لم تظهر فجأة ولم تنشأ من فراغ. لقد بنيت على مشروع واضح، ورؤية إنسانية صادقة، ووعي بضرورة توفير فضاء مهني يجمع المختصين والباحثين وطلبة التخصصات النفسية تحت إطار واحد يسعى للعلم والمعرفة وتأطير المجتمع. ومع ذلك فإن النجاح السريع الذي عرفته الرابطة يبدو أنه تحوّل لدى البعض إلى مصدر إزعاج بدل أن يكون مصدر فخر.
الحضور الذي حققته الرابطة خلال الشهور الأخيرة لم يكن مجرد حضور شكلي أو إعلامي. إنه حضور مهني فعلي تجسّد من خلال لقاءات علمية، تكوينات عالية المستوى، فتح حوارات مسؤولة، وتنظيم أنشطة تُقدَّم فيها المعرفة بأسلوب شفاف وقريب من الناس وهذا النوع من العمل الجدي غالبًا ما يُربك من اعتادوا على مشهد فارغ، أو من لم يتعودوا على مبادرات ناجحة تُدار بكفاءة واحترام للقوانين والأخلاقيات.
الرابطة تضم بين صفوفها كفاءات حقيقية
أطباء نفسانيون من ابرزهم الدكتورة كوثر حالتي …..ومختصون في العلاج النفسي من ابرزهم صوفيا شنان وغزلان تلمساني والكثير منهم وايضا أساتذة وباحثون طلبة في الماستر الإكلينيكي وفاعلون جمعويون متمرسون. هذا التنوع في الخلفيات المهنية والتكوينية خلق قوة داخلية، وحوّل الرابطة إلى صوت مُعتبر في الساحة وإلى مساحة تجمع بين التجربة الأكاديمية والخبرة الميدانية. وهذه القوة بالتحديد هي التي لم يتقبلها بعض من يرون في كل نجاح تهديدًا، أو في كل مبادرة جدية منافسًا لا يستطيعون مواجهته علميًا.
من الطبيعي جدًا أن تُستهدف المبادرات التي تُحدث أثرًا حقيقيًا. فالفراغ لا يثير أحدًا أمّا الحركة فتجلب معها دائمًا ردود فعل متباينة. ومع ذلك يظل السؤال الجوهري ما الذي يزعج في رابطة تعمل قانونيًا، بشفافية ولخدمة المواطن؟
هل يزعج أن تكون الأنشطة منظمة بشكل محترف؟
هل يزعج أن يكون الأداء مسؤولًا؟
هل يزعج أن نرى مختصين مغاربة يجتمعون على هدف واحد بعيدًا عن الجدل العقيم؟
أم أن الإزعاج الحقيقي هو النجاح الذي لم يتوقعه البعض، لأنهم تعودوا على ساحة بلا مبادرات، بلا رؤية، وبلا أصوات علمية واضحة؟
الحقيقة أن الرابطة لم تُخلق لتنافس أحدًا ولا لتحارب أحدًا ولا لتأخذ مكانًا من أحد. الرابطة وُجدت لتخدم لتكوين ولتوعية ولتعزيز ثقافة الصحة النفسية في بلد يحتاج بشدة إلى ذلك. وكل منخرط فيها يحمل هذا الهدف في قلبه قبل أن يحمله في أوراقه. والعمل فيها يُسند إلى نوايا إنسانية لا تحتاج إلى إعلان لأنها تظهر في الخطوات اليومية، وفي الجهد التطوعي، وفي الإيمان بأن الصحة النفسية مسؤولية مشتركة.
أما الهجمات… فهي ليست أكثر من موجات عابرة لا تغير شيئًا من الحقيقة ولا توقف مسارًا بدأ بثبات وثقة. الرابطة ستواصل طريقها كما بدأت بخطى هادئة، بعمل مستمر، وبرؤية تحترم الإنسان قبل كل شيء.
وكلما ارتفعت الأصوات غير المبررة، ارتفعت معها قناعة المنخرطين بأن العمل الذي يقومون به ضروري، وأن النجاح الذي تحققه الرابطة ليس وليد ضجيج بل وليد جهد علم وصدق.
وفي النهاية يبقى الواقع أقوى من أي كلام، ويبقى النجاح الذي حققته الرابطة هو الجواب الحقيقي لكل من أراد التشويش أو التقليل أو التشكيك
فالعمل الجاد يفرض احترامه، وهو ما أثبتته الرابطة في وقت قياسي، وستواصل إثباته مهما كانت الأصوات التي تحاول إطفاء نورها


Comments
0