فنزويلا بين مطرقة المصالح الكبرى وسندان التحولات الدولية: عزلة دولة كانت جزءاً من محور صاعد - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أخبار 24 ساعة

فنزويلا بين مطرقة المصالح الكبرى وسندان التحولات الدولية: عزلة دولة كانت جزءاً من محور صاعد

Screenshot_20251201_183722_com_twitter_android_TweetDetailActivity

 

في اللحظة التي تعيد فيها القوى الكبرى ترتيب أولوياتها ورسم خرائط نفوذ جديدة، تجد فنزويلا نفسها أمام واقع لم تعتد عليه: عزلة دبلوماسية تتسع سريعاً، وتراجع واضح في مستوى الدعم الذي ظلت تعتمد عليه طوال عقدين من الزمن. فالدولة التي كانت جزءاً من محور دولي صاعد، باتت اليوم أقرب إلى قطعة محاصرة على رقعة شطرنج تُحرَّك فيها التحالفات بقدر ما تتحرك المصالح.

 

ولفهم هذا التحول، يكفي النظر إلى المواقف الجديدة لحلفاء كاراكاس التقليديين. فروسيا، التي شكلت طوال سنوات سنداً سياسياً وعسكرياً مهماً لفنزويلا، تعيد اليوم حساباتها تحت ضغط التحولات التي فرضتها عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فالإدارة الأميركية الجديدة تسعى إلى بناء صفقة واسعة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، صفقة قد تتيح لموسكو فرصة نادرة لإعادة التموضع داخل النظام الدولي. وفي ظل هذه الحسابات، يصبح من الصعب على الكرملين الانخراط في صراع جانبي في أميركا اللاتينية أو الإصرار على دعم علني لنظام أثقلته الأزمات.

 

أما الصين، المنهمكة في معالجة تباطؤها الاقتصادي وتدبير منافستها المتصاعدة مع الولايات المتحدة، فاختارت بدورها التقليل من الانخراط في الملفات التي قد تعرقل مسار تفاهماتها الاقتصادية مع واشنطن. ومع أن علاقاتها مع كاراكاس تمتد لسنوات، إلا أن كلفة استمرار دعم فنزويلا تبدو أكبر من الفائدة التي يمكن أن تجنيها بكين حالياً، خصوصاً في مرحلة تحاول فيها حماية استقرارها التجاري والمالي.

 

في الجهة المقابلة، تقف إيران وكوبا ونيكاراغوا، وهي دول تتقاسم مع فنزويلا خطاباً مناهضاً للهيمنة الأميركية لكنها تعاني في الوقت نفسه من أزمات اقتصادية خانقة وعقوبات ثقيلة تجعل قدرتها على تقديم دعم فعلي شبه معدومة. وبذلك يجد مادورو نفسه أمام حلفاء يشاركونه الرؤية لكنهم يفتقرون للموارد الضرورية لترجمتها عملياً.

 

هذا التراجع المتزامن للدعم يكشف هشاشة الرهان الفنزويلي على تحالفات كبرى اعتُبرت طيلة سنوات ثابتة لا تتغير. لكنه أيضاً يعيد تأكيد قاعدة قديمة في العلاقات الدولية: لا توجد تحالفات دائمة، بل مصالح دائمة تُعاد صياغتها باستمرار وفق التغيرات الاقتصادية والسياسية والأمنية. والعبرة أن الدول التي تفتقر إلى المرونة وتقوم بورقة تحالف واحد تجد نفسها أكثر عرضة للانعزال حين تتبدل اتجاهات الرياح.

اليوم تقف فنزويلا عند مفترق طرق. فالحليف الروسي منشغل بصراعه الوجودي في أوكرانيا، والصين تضع مصالحها الاقتصادية في المقدمة، والدول الحليفة في أميركا اللاتينية غارقة في أزماتها. وفي المقابل، تتحسس الولايات المتحدة طريقاً جديداً نحو موسكو قد يغيّر شكل النفوذ داخل القارة الأميركية نفسها. كل ذلك يحدث بينما تجد كاراكاس نفسها من دون شبكة أمان حقيقية.

 

أمام هذا الوضع، يصبح على القيادة الفنزويلية التفكير في مسار جديد: إما البحث عن تفاهمات داخلية وخارجية تنهي العزلة المتصاعدة، أو الاستمرار في نهج المواجهة رغم غياب الحلفاء القادرين على دعم هذا الخيار. وبين الاحتمالين، يبقى الثابت الوحيد أن موقع فنزويلا في رقعة الشطرنج العالمية لم يعد كما كان، وأن الدولة التي كانت جزءاً من محور صاعد أصبحت اليوم أمام اختبار وجودي لا مجال لتجاهله.

Leave a Reply

1000 / 1000 (Number of characters left) .

Terms of publication : Do not offend the writer, people, or sacred things, attack religions or the divine, and avoid racist incitement and insults.

Comments

0
Commenters opinions are their own and do not reflect the views of m3aalhadet مع الحدث