“حقوق المؤلف بين سوء الفهم وواجب الأداء: حقيقة ما يقع داخل المقاهي” - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أخبار 24 ساعة

“حقوق المؤلف بين سوء الفهم وواجب الأداء: حقيقة ما يقع داخل المقاهي”

BMDAV

 

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة موجة من السخرية بعد تداول صورة محضر معاينة حُرّر داخل مقهى بمدينة تازة بسبب بث أغنية للزبناء دون ترخيص. غير أن ما رافق هذا المنشور من تعليقات غلب عليها التهكم، حمل معه الكثير من المغالطات التي تحتاج إلى تصويب، خصوصًا ما يتعلق بطبيعة هذه المعاينات وقيمتها القانونية.

فالمسطرة التي أُنجز بها المحضر ليست حملة استثنائية ولا إجراءً ظرفيًا كما اعتقد البعض، بل هي عملية روتينية يقوم بها قابض محلف تابع للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، وقد يقوم بها بمفرده كما يسمح القانون. هذا النوع من المعاينات يتم منذ سنوات في جميع المدن المغربية ويشمل المقاهي، المطاعم، الفنادق، قاعات الحفلات والمحلات التجارية، وكل فضاء يستعمل المصنفات الفنية والسمعية البصرية ضمن نشاطه المهني.

وينص القانون رقم 2.00 بوضوح على أن أي نقل أو بث لأغنية أو مصنف موسيقي داخل فضاء تجاري، سواء عبر جهاز تلفاز أو كابل أو أسطوانة أو أي وسيلة أخرى، يُعد تبليغًا للجمهور ويستلزم ترخيصًا مسبقًا. القانون لا ينظر إلى الوسيلة التقنية المستعملة، بل إلى طبيعة الاستعمال نفسه: تقديم محتوى محمي لفائدة الزبناء داخل فضاء مهني.

أما ما أثار الجدل بخصوص مبلغ 4840 درهم، فقد تم تقديمه على أنه “غرامة” بسبب أغنية واحدة، بينما الحقيقة أنه يمثل مجموع المستحقات غير المؤداة على مدى أربع سنوات. وبحسب التعريفات المعتمدة، فإن المقاهي التي تقل مساحتها عن 300 متر تؤدي سنويًا حوالي 1200 درهم فقط مقابل الحق في استعمال المصنفات المحمية. وبالتالي فإن المبلغ المذكور لا يتعلق بعقوبة لحظية، بل بمتأخرات تراكمت لسنوات دون تسوية.

الطريقة الساخرة التي تم بها تقديم صورة المحضر للرأي العام ساهمت في خلق قراءة خاطئة للمسطرة القانونية، وفي إغفال حقيقة أن المكتب يمنح للمستغلين فرصًا متكررة لتسوية وضعيتهم قبل اتخاذ أي إجراءات لاحقة. كما أن نشر وثائق رسمية دون سياق قانوني واضح يعطي انطباعًا مضللًا، ويفتح الباب أمام تأويلات تبعد الجمهور عن جوهر الموضوع.

 

ويظل دور المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، باعتباره مؤسسة مستقلة تحت وصاية وزارة الشباب و الثقافة و التواصل-قطاع التواصل ، هو حماية حقوق الفنانين والمؤلفين والملحنين، وتنظيم استعمال المصنفات في الفضاءات المهنية، وضمان احترام القواعد التي تحمي الإبداع من الاستغلال المجاني. فحقوق المؤلف ليست عبئًا إضافيًا على المهنيين بقدر ما هي آلية لتنظيم السوق الفنية ودعم المبدعين وتشجيع الإنتاج الثقافي، كما أنها تضمن منافسة متكافئة بين المحلات التي تحترم القانون وتؤدي مستحقاتها وتلك التي لا تفعل.

الجدل الذي رافق محضر تازة كشف بالأساس عن فجوة كبيرة في الوعي القانوني لدى شريحة واسعة من المهنيين، وعن تعامل متسرّع مع موضوع يتطلب معرفة دقيقة أكثر مما يحتاج إلى ردود فعل انفعالية أو ساخرة. وفي النهاية، يبقى دور الصحافة هو تصحيح الصورة وتقديم المعطيات كما هي، بعيدًا عن الضجيج الافتراضي الذي يحجب الحقائق أكثر مما يكشفها.

Leave a Reply

1000 / 1000 (Number of characters left) .

Terms of publication : Do not offend the writer, people, or sacred things, attack religions or the divine, and avoid racist incitement and insults.

Comments

0
Commenters opinions are their own and do not reflect the views of m3aalhadet مع الحدث