ما تعيشه مدن مغربية عدة من فاس إلى آسفي يؤكد أن الكوارث التي تحصد الأرواح لم تعد أحداثًا معزولة ولا مفاجآت طبيعية خارجة عن السيطرة بل نتيجة تراكمات طويلة من الاختلالات في التدبير الحضري والوقاية من المخاطر ففي فاس شهدت أحياء انهيارات لمنازل شُيدت في إطار البناء غير المنظم داخل مجالات هشة ومعرضة للخطر بينما عرفت آسفي فيضانا مدمرا خلف خسائر بشرية جسيمة كان بالإمكان التقليل منها لو توفرت شروط الاستباق والجاهزية
المعطيات المتداولة تشير إلى أن قنوات الصرف ومجاري السيول لم تكن في وضع يسمح باستيعاب كميات الأمطار المسجلة كما أن الصيانة الدورية ظلت رهينة افتراضات خاطئة بخصوص استمرار الجفاف في ظل تحولات مناخية تفرض الاستعداد الدائم وتؤكد مصادر محلية أن آليات التنبيه واليقظة لم تُفعَّل بالشكل المطلوب ما حرم الساكنة من الوقت الكافي لاتخاذ الاحتياطات الضرورية وجعل التدخل يتم في ظروف بالغة التعقيد
إن تكرار هذه المآسي يطرح بإلحاح سؤال المسؤولية المؤسساتية دون الحاجة إلى توجيه الاتهام إلى أشخاص بعينهم فالمسؤولية هنا تشمل التخطيط الحضري وتدبير المجال وصيانة البنيات التحتية وتفعيل أنظمة الإنذار والاستثمار في الوقاية بدل الاكتفاء بالتدخل بعد وقوع الكارثة
وفي هذا السياق يستحضر الرأي العام ما جاء في الخطاب الملكي السامي حين تساءل جلالة الملك محمد السادس نصره الله عن جدوى الإدارة والمنتخبين إذا لم تكن مصلحة الوطن والمواطن ضمن أولويات عملهم مؤكدا أن المسؤولية تكليف ومحاسبة وأن القائمين على الشأن العام مسؤولون أولا أمام الله ثم أمام الملك وأمام الشعب وهو تساؤل يكتسي اليوم دلالة عميقة في ظل ما شهدته هذه المدن من مآس إنسانية
لقد أثبتت الوقائع أن الخرجات الإعلامية والبلاغات الظرفية لا تكفي لطمأنة المواطنين ولا لإنصاف الضحايا ما لم تُترجم إلى إجراءات ملموسة تضمن عدم تكرار ما وقع لأن الحق في الحياة لا يقبل التأجيل ومع كل كارثة جديدة يتأكد أن غياب التقييم والمساءلة يفتح الباب أمام إعادة إنتاج الأخطاء نفسها.
إن اللحظة تفرض مقاربة مسؤولة تتجاوز ردود الفعل الآنية نحو إصلاح عميق لسياسات الوقاية والتعمير وتدبير المخاطر الطبيعية بشكل شفاف وجاد بما يحفظ كرامة المواطنين ويصون الأرواح ويعيد الثقة في المؤسسات لأن الوطن لا يُبنى بالأعذار بل بتحمل المسؤولية وربطها بالمحاسبة


Comments
0