لم يعد الحديث عن تألق الكرة المغربية مقتصرًا على النتائج الكبيرة التي حققتها المنتخبات الوطنية أو على الطفرة التي شهدتها البنيات التحتية والمنشآت الرياضية، بل أصبح يرتكز اليوم على عنصر حاسم في هذا النجاح، يتمثل في المدرب المغربي، الذي تحول من فاعل محلي إلى صانع إنجازات إقليمية ودولية، وعنوان لكفاءة تُصدَّر بثقة إلى الخارج.

منذ الإنجاز التاريخي في مونديال قطر 2022، حين قاد وليد الركراكي المنتخب الوطني إلى نصف نهائي كأس العالم، دخلت كرة القدم المغربية مرحلة جديدة عنوانها التخطيط والاستمرارية. مرحلة لم تُبنَ على الصدفة، بل على رؤية واضحة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، جعلت من الثقة في الكفاءات الوطنية خيارًا استراتيجيًا لا رجعة فيه.
وتجلّى هذا التوجه بوضوح في اعتماد أطر مغربية خالصة للإشراف على جميع المنتخبات الوطنية بمختلف فئاتها العمرية، من المنتخب الأول إلى الفئات السنية، مرورًا بالمنتخب الأولمبي، المحلي والمنتخب الرديف. اختيار أثبت نجاعته ميدانيًا، حيث توالت النتائج الإيجابية قارياً وعالمياً، وبرزت هوية كروية مغربية واضحة المعالم.

وفي محطة مفصلية من هذا المسار، بصم المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة على إنجاز تاريخي بتتويجه بكأس العالم، بقيادة المدرب المغربي محمد وهبي، في تتويج عالمي غير مسبوق أكد أن المدرسة التدريبية المغربية باتت قادرة على منافسة أكبر المدارس الكروية في العالم. إنجاز يعكس عمق العمل القاعدي، وجودة التكوين، وحسن تدبير المراحل السنية وفق مناهج حديثة تجمع بين الانضباط التكتيكي والتطور البدني والذهني للاعبين.

وبالتوازي مع هذا التتويج العالمي، واصل المنتخب الوطني الرديف تألقه بتتويجه بكأس العرب تحت قيادة المدرب طارق السكتيوي، الذي أصبح اسمه مرتبطًا بحصد الألقاب في البطولات المغلقة، رغم قصر فترات الإعداد وكثرة الإكراهات. فبعد أيام قليلة من توليه تدريب المنتخب الأولمبي، قاده إلى إحراز الميدالية البرونزية في الألعاب الأولمبية، ثم انتقل بعد فترة وجيزة لتولي مهمة تدريب منتخب المحليين، ليقوده بدوره إلى التتويج بكأس إفريقيا للاعبين المحليين، قبل أن يخوض تحديًا جديدًا مع المنتخب الرديف ويتوج بكأس العرب، رغم الإصابات والمشاكل التي رافقت المسابقة، في مسار استثنائي يؤكد قدرته على التدبير التقني والنفسي في أصعب الظروف.

ولم يقتصر إشعاع المدرب المغربي على المنتخبات الوطنية فقط، بل امتد بقوة إلى الخارج، حيث بات حاضرًا في عدد من التجارب العربية والدولية الناجحة. ويبرز في هذا الإطار العمل الكبير الذي قام به جمال السلامي مع المنتخب الأردني، حيث نجح في الارتقاء به إلى مكانة ومستوى غير مسبوقين، سواء من حيث الأداء أو النتائج، وقاده إلى نهائي كأس العرب، في إنجاز تاريخي أعاد الكرة الأردنية إلى الواجهة القارية والعربية.
ويجدر التذكير أن هذا النجاح لم يكن معزولًا عن سياقه، بل جاء امتدادًا لعمل تأسيسي مهم قام به قبله المدرب المغربي الحسين عموتة، الذي كان أول من أعاد تقديم المنتخب الأردني بصورة تنافسية واضحة، ووضع له هوية تكتيكية متوازنة. وقد جاء السلامي ليُكمل هذا المسار ويطوره، في نموذج يعكس قيمة المدرسة التدريبية المغربية القائمة على البناء والتراكم، لا على الحلول الظرفية.
أما الحسين عموتة نفسه، فقد راكم مسيرة حافلة بالنجاحات داخل المغرب وخارجه، خاصة في منطقة الخليج، مؤكدًا مرة أخرى أن المدرب المغربي قادر على التأقلم مع بيئات كروية مختلفة وتحقيق الألقاب. ومع ما يحظى به من تقدير واحترام في الأوساط الكروية العربية، تُرجّح عدة مؤشرات أن تحمل الأيام المقبلة خبر تعاقده مع منتخب عربي كبير، في خطوة جديدة تعزز حضور الكفاءة المغربية في أعلى المستويات.
ويعود هذا التألق اللافت للمدرب المغربي إلى السياسة التي انتهجتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والتي راهنت، إلى جانب تطوير البنية التحتية، على الاستثمار في العنصر البشري، عبر برامج تكوين مستمرة، وتمكين الأطر الوطنية من رخص تدريب دولية، والاحتكاك بالتجارب العالمية، ما أفرز جيلًا جديدًا من المدربين القادرين على العمل وفق مناهج حديثة تجمع بين التكتيك، الإعداد البدني، والتحليل الرقمي.

إن ما تعيشه الكرة المغربية اليوم يؤكد أن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بعدد الألقاب، بل بقدرة المنظومة على إنتاج العقل الكروي وصناع القرار داخل الملعب وخارجه. فكما بات اللاعب المغربي مطلوبًا في أكبر البطولات، أصبح المدرب المغربي بدوره علامة جودة تحظى بالاحترام والثقة. وبين تألق المنتخبات الوطنية، التتويجات العالمية والقارية، وحضور الأطر المغربية في مختلف القارات، تواصل الكرة المغربية ترسيخ نموذج رياضي ناجح، يقوده المدرب المغربي بثقة، ويمنح للمستقبل آفاقًا أكثر إشراقًا داخل الوطن وخارجه.


Comments
0