الدكتور سعد بلجنوي الإنسان محور كل معرفة بين التربية والنفس والإبداع والحياة اليومية - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أخبار 24 ساعة

الدكتور سعد بلجنوي الإنسان محور كل معرفة بين التربية والنفس والإبداع والحياة اليومية

IMG-20251207-WA0031

تمثل كتابات الدكتور سعد بلجنوي رؤية معرفية متكاملة، حيث تتقاطع التربية مع علم النفس، ويندمج الإبداع مع التحليل النفسي للحياة اليومية في شبكة واحدة متماسكة. إن اهتمامه بالإنسان لا يقتصر على الجوانب التعليمية أو النفسية أو الإبداعية منفردة، بل يراه ككائن متكامل، تتشابك فيه الخبرة اليومية مع الدوافع الداخلية والخيال والإبداع، في شكل متسلسل ومترابط.

تنطلق هذه الرؤية من التربية باعتبار المدرسة فضاءً لفهم الإنسان، وليس مجرد مكان لنقل المعرفة. في كتبه التربوية، مثل “الممارسة التربوية بين النظرية والتطبيق” و*”مدخل إلى تقييم التعلمات”*, يركز بلجنوي على قراءة السلوك اليومي للمتعلم، وفهم دوافعه وانفعالاته، وتحليل مقاومته أو تجاوبه مع الدرس. فالطفل الذي يرفض المشاركة ليس مجرد متعلم ضعيف، بل يعكس صراعاته الداخلية، وتجربته مع البيئة، ومستوى ثقته بنفسه، وما يختزنه من خبرات سابقة. وهكذا تتداخل التربية مع علم النفس، فتصبح كل ممارسة تعليمية نافذة لفهم الذات وفهم الآخر، وهو ما يمهد لاحقًا لإطلاق القدرات الإبداعية.

وتنتقل الرؤية إلى النفس، حيث يظهر التحليل النفسي كأداة لفهم الدوافع والرغبات المكبوتة التي تشكل سلوك الفرد. في كتابه “علم النفس والإبداع”, يوضح بلجنوي أن الإبداع ليس مجرد موهبة، بل ترجمة لصراعات داخلية، وخيال، وتجارب حياتية. فالطفل الذي يرسم أو يكتب قصة يعبر عن رغباته ومخاوفه بطريقة رمزية، وتحليل هذه التعبيرات يمكن أن يتيح فهماً أعمق لشخصيته. وبذلك، يرتبط علم النفس مباشرة بالتربية، إذ أن فهم دوافع المتعلم الداخلية يعزز قدرته على التعلم، ويمكّن المربي من توجيه طاقاته نحو البناء والإبداع.

ويأتي الإبداع كامتداد طبيعي لهذه العملية، فهو يربط التربية بالنفس والحياة اليومية، ويتيح للفرد تحويل خبراته ومشاعره إلى إنتاج ملموس. فاللوحة أو النص أو الاختراع ليست منفصلة عن تجربة الفرد اليومية، بل ناتجة عنها، وهي انعكاس للصراعات والرغبات والخبرات التي عاشها في المدرسة والمنزل والمجتمع. ويظهر هنا الترابط بين المحاور الأربعة: التربية تهيئ البيئة المناسبة، علم النفس يفسر الدوافع الداخلية، الحياة اليومية تزود المادة الخام، والإبداع يحولها إلى شكل يمكن قراءته وفهمه.

ويصل عطاء الأستاذ بلجنوي إلى ذروته في محور التحليل النفسي للحياة اليومية، الذي يقدمه في كتابه Psychanalyse de la vie ordinaire. ففيه تصبح التفاصيل الصغيرة—كالصمت، الانفعالات العابرة، الروتين اليومي، الأحلام، وحتى ملاحظات الطفل أثناء اللعب مفتاحًا لفهم النفس والذات. التحليل النفسي للحياة اليومية لا يكتفي بالملاحظة السطحية، بل يكشف عن الصراعات الداخلية والتمثلات المكبوتة التي تؤثر في التعلم، الإبداع والسلوك الاجتماعي. وهكذا يصبح هذا التحليل حلقة وصل بين التربية، النفس، والإبداع، ويظهر كيف تتفاعل كل هذه العوامل لتشكّل شخصية الفرد بشكل متكامل.

وتكتمل صورة الترابط في مقالاته الإلكترونية التي ينشرها على المنصات والمواقع العلمية، حيث يربط النظرية بالتطبيق العملي، ويحوّل المعرفة الأكاديمية إلى تجربة يومية يمكن للقارئ العادي فهمها وتطبيقها. في هذه المقالات، يشرح بلجنوي كيف تؤثر الانفعالات الداخلية على التعلم، وكيف توفر الحياة اليومية مادة للإبداع، وكيف يمكن للتربية أن توجه هذه الطاقات بوعي وفعالية، فيصبح الإنسان متعلمًا ومبدعًا وفاهمًا لذاته في الوقت نفسه.

وتجمع كتاباته الابداعية بين هذه المحاور في رؤية واحدة متسلسلة، بحيث لا يمكن فصل أي عنصر عن الآخر. فالتربية لا تفهم بمعزل عن النفس، والإبداع لا ينمو إلا في بيئة تربوية تدعم الفرد وفهم دوافعه، والحياة اليومية تزود المادة الخام لكل فعل تعليمي أو إبداعي. وكل هذه العناصر مجتمعة تمنح الإنسان القدرة على قراءة ذاته وفهم محيطه، وتحويل الخبرة اليومية إلى وعي وإنتاج.

وفي خاتمة هذا العرض لمشروعه الفكري، يمكن القول إن الدكتور سعد بلجنوي لم يكتفِ بنقل المعرفة أو تحليل السلوك، بل قدّم للإنسان مرآة لفهم ذاته، وأداة لإطلاق طاقاته الإبداعية، وسبيلاً لربط التعلم بالحياة اليومية. فمن خلال أعماله، نتعلم أن الإنسان كلّ، وأن كل لحظة من حياته، سواء في التعلم أو الإبداع أو الممارسة اليومية، تحمل فرصة للوعي والفهم والنمو. إن إرثه الفكري يظل دعوة دائمة لكل من يسعى إلى فهم الإنسان في عمقه، وتنمية قدراته، وعيش الحياة بوعي وإبداع

Leave a Reply

1000 / 1000 (Number of characters left) .

Terms of publication : Do not offend the writer, people, or sacred things, attack religions or the divine, and avoid racist incitement and insults.

Comments

0
Commenters opinions are their own and do not reflect the views of m3aalhadet مع الحدث