دخل القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية حيز التنفيذ اليوم الاثنين 8 دجنبر 2025، بعد نشره في الجريدة الرسمية يوم 8 شتنبر الماضي. ويعد هذا القانون محطة مفصلية في مسار إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، لما يحمله من تعديلات عميقة تعكس الإرادة السياسية للمملكة بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، لترسيخ دولة الحق والقانون ومواكبة التحولات المتسارعة التي يعرفها المجتمع المغربي.
هذا القانون يأتي ترجمة مباشرة للتوجيهات الملكية التي أكدت، في أكثر من مناسبة، ضرورة تحديث السياسة الجنائية، وتطوير العمل القضائي بما يضمن عدالة فعالة وناجعة، ويعزز ثقة المواطن في الجهاز القضائي باعتباره ركيزة من ركائز الدولة الديمقراطية الحديثة.
وقد أحدث القانون الجديد قطيعة مع عدد من الممارسات التقليدية، مقدماً رؤية أكثر حداثة، تعتمد على صون الحقوق والحريات وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة. وتتمثل أبرز مستجداته في تعزيز حقوق الدفاع وترسيخ قرينة البراءة وضمان الحق في محاكمة داخل أجل معقول، مع توسيع الاستفادة من المساعدة القانونية لفائدة الفئات الهشة.
كما شدد النص على تطوير نظام الحراسة النظرية، عبر إلزامية إخبار المشتبه فيه بحقوقه وتمكينه من الاتصال بمحام منذ الساعات الأولى، إضافة إلى توفير خدمات الترجمة عند الحاجة، في خطوة تروم تعزيز الشفافية وحماية الحقوق الإجرائية للأفراد.
وفي ما يتعلق بالاعتقال الاحتياطي، فقد حد القانون من اللجوء إليه وحصره في الحالات الضرورية، مع إلزام القضاء بتعليل أي قرار يقضي بالإيداع في السجن، واعتماد بدائل احترازية حديثة تضمن التوازن بين حماية المجتمع واحترام حرية الأفراد.
ومن بين أهم الإصلاحات التي جاء بها هذا النص توسيع حقوق الضحايا، عبر إشعارهم بمآل الدعوى وتوفير الدعم القانوني والاجتماعي لهم، إضافة إلى اعتماد تدابير خاصة لحماية النساء والأطفال ضحايا العنف، بما يعزز مكانة الضحية داخل المنظومة القضائية.
كما أحدث القانون مرصداً وطنياً للإجرام، يُعنى بجمع المعطيات وتحليلها وتوجيه السياسة الجنائية على أساس علمي وموضوعي، وهو تطور يعكس الرغبة في الانتقال نحو عدالة مبنية على المعرفة والتقييم المستمر.
وزير العدل عبد اللطيف وهبي أكد في تصريح بالمناسبة أن دخول هذا القانون حيز التنفيذ يمثل خطوة أساسية ضمن الورش الكبير الذي تعرفه منظومة العدالة، مضيفاً أن المغرب بصدد بناء نموذج قضائي متطور ينسجم مع الدستور المغربي والمعايير الدولية، ويجعل من العدالة رافعة للتنمية والديمقراطية.
ويجمع المتتبعون على أن هذا القانون يشكل تحولاً عميقاً في بنية المسطرة الجنائية، وأن نجاحه رهين بحسن تنزيله على أرض الواقع، وبالتزام مختلف الفاعلين بالروح الإصلاحية التي جاء بها. ومع دخوله حيز التنفيذ، يكون المغرب قد قطع خطوة إضافية نحو ترسيخ عدالة أكثر إنصافاً وفعالية، تُعيد الثقة للمواطن وتُعزز مكانة المملكة في مسار الإصلاح القانوني على الصعيدين الإقليمي والدولي.


Comments
0