العمل ال
هشّ في المغرب: عرقٌ بلا حماية
في المغرب، لا يُقاس العمل دائمًا بعدد ساعات الجهد، بل بكمّ الصمت الذي يُفرض على العامل.
آلاف المغاربة يستيقظون كل صباح وهم لا يعرفون إن كانوا سيعودون إلى عملهم في الغد، لأن “العمل” الذي يعيشون منه لا يحميهم، ولا يعترف بهم، ولا يضمن لهم أبسط حقوقهم.
العمل الهشّ ليس ظاهرة هامشية، بل واقعًا يوميًا لشرائح واسعة من المجتمع:
عقود شفهية، وعود مؤجّلة، أجور تُدفع حين “تتيسّر”، وتهديد دائم بالطرد دون سابق إنذار.
عاملٌ يشتغل سنوات دون عقد مكتوب، ودون تصريح، ودون تقاعد، كأن جهده لا يُحتسب ضمن كرامة الوطن.
أخطر ما في العمل الهشّ أنه يُحوّل الإنسان إلى أداة مؤقّتة.
يُستعمل حين الحاجة، ويُستغنى عنه حين يطالب بحقه.
لا ضمان اجتماعي، لا تغطية صحية، ولا حماية قانونية فعلية، فقط الخوف من فقدان لقمة العيش.
الأجر، بدوره، لم يعد أجرًا بقدر ما أصبح محاولة للبقاء.
رواتب لا تواكب غلاء المعيشة، لا تحمي من الفقر، ولا تمنح أدنى استقرار نفسي أو أسري.
كيف يُطلب من عامل أن يكون منتجًا، وهو عاجز عن تأمين أبسط احتياجاته؟
أما الطرد التعسفي، فقد أصبح ممارسة شبه عادية.
قرار يُتّخذ في لحظة غضب أو مزاج، دون مسطرة، دون تعويض، ودون مساءلة حقيقية.
عاملٌ يُغادر مكان عمله في الصباح، ليكتشف مساءً أنه صار عاطلًا بلا سابق إنذار.
ورغم وجود قوانين تنظم الشغل وتحمي الحقوق، يبقى السؤال الجوهري:
أين المراقبة؟
وأين التطبيق؟
وكم من عامل يعرف أصلًا حقوقه، أو يملك القدرة على المطالبة بها دون خوف أو انتقام؟
العمل الهشّ لا يضر العامل وحده، بل يُهدّد السلم الاجتماعي برمّته.
حين يشعر الإنسان أن جهده غير معترف به، وأن كرامته قابلة للتفاوض، تتآكل الثقة، ويكبر الغضب الصامت، وتصبح الهشاشة أرضًا خصبة لليأس والانفجار الاجتماعي.
لا يمكن بناء اقتصاد قوي على أكتاف مُنهكة بلا حماية.
ولا يمكن الحديث عن التنمية دون ضمان عمل كريم، مستقر، وعادل.
فالعمل ليس امتيازًا يُمنح، بل حقّ أساسي يضمن كرامة الإنسان واستقرار المجتمع.
العمل الهشّ في المغرب ليس قدرًا، بل نتيجة اختيارات، وصمت، وتراخٍ في المراقبة.
وتغيير هذا الواقع لا يبدأ بالقوانين وحدها، بل بالإرادة الفعلية لحمايتها، وبالاعتراف بأن كرامة العامل ليست تفصيلًا ثانويًا، بل أساس كل تنمية حقيقية.


Comments
0