أثارت صورة لرئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السيدة أمينة بوعياش، وهي تسير تحت مظلة تحميها من تساقط الأمطار، بينما يتكفل شخص آخر بحملها ويتلقى المطر مباشرة، نقاشًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، تجاوز حدود الواقعة ذاتها ليلامس أسئلة أعمق تتعلق بالرمز، والسلطة، وحدود التأويل في زمن الصورة السريعة.
ففي عالم تحكمه اللقطة المختزلة، لم تعد الصورة مجرد توثيق للحظة عابرة، بل أضحت خطابًا بصريًا مفتوحًا على قراءات متعددة، تتشكل بحسب الخلفيات الثقافية والسياسية والنفسية للمتلقي. ومن هذا المنطلق، انقسمت الآراء بين من رأى في المشهد تعبيرًا رمزيًا عن اختلال في ميزان الكرامة الإنسانية، وقراءة مجازية للفجوة بين المسؤول والمواطن البسيط، وبين من اعتبر الأمر طبيعيًا، يندرج في إطار البروتوكول والتنظيم والتدابير المصاحبة لتحركات الشخصيات العمومية.
المنتقدون لم يقفوا عند حدود الواقعة، بل وسّعوا دائرة النقاش لتشمل البعد الأخلاقي والحقوقي، متسائلين عن الرسائل غير المعلنة التي قد تبعث بها مثل هذه الصور، خاصة حين تصدر عن مؤسسة يُفترض أن تكون في صلب الدفاع عن كرامة الإنسان، بغض النظر عن موقعه أو وظيفته. فالصورة، في نظرهم، لم تكن مسألة مظلة بقدر ما كانت سؤالًا حول الحساسية الرمزية لدى الفاعل العمومي، ومدى وعيه بتأثير التفاصيل الصغيرة في تشكيل الرأي العام.
في المقابل، دافع آخرون عن السيدة بوعياش، معتبرين أن تحميل الصورة أكثر مما تحتمل يدخل في باب المبالغة وسوء النية، وأن السياق الأمني والتنظيمي يفرض أحيانًا ترتيبات لا تعكس بالضرورة قناعة أو سلوكًا شخصيًا. كما أشاروا إلى أن اختزال مسار حقوقي ومؤسساتي طويل في لقطة عابرة قد يُفضي إلى أحكام متسرعة، تفتقر إلى الإنصاف والموضوعية.
غير أن ما يكشفه هذا الجدل، بعيدًا عن منطق الاتهام أو التبرير، هو التحول العميق في علاقة المجتمع بالصورة وبالفاعل العمومي. فالمسؤول اليوم لم يعد يُحاسَب فقط على قراراته وخطاباته، بل أيضًا على حضوره الرمزي، ولغة جسده، وطريقة ظهوره في الفضاء العام. إنها مسؤولية مضاعفة، تفرض وعيًا دقيقًا بأن التفاصيل الصغيرة قد تتحول، في لحظة، إلى مرآة تعكس صورة أكبر.
وهكذا، تبقى الصورة محل النقاش مناسبة لإعادة التفكير في أخلاقيات الفضاء العام، وفي الحاجة إلى ثقافة مؤسساتية أكثر انتباهًا للرمز، دون الوقوع في فخ التهويل أو الإدانة السريعة. فبين النقد المشروع والتأويل المتسرع، تظل الحكمة في قراءة السياق، واحترام الذكاء الجماعي، أساسًا لأي نقاش ناضج ومسؤول.


Comments
0