حين تتكلم الدولة بلا خطاب - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أخبار 24 ساعة

حين تتكلم الدولة بلا خطاب

IMG-20251220-WA0016

يكشف حضور وزير الداخلية لنهائي كأس العرب أن بعض الرسائل السياسية لا تحتاج إلى منابر ولا إلى بيانات رسمية. فالمشهد، في حد ذاته، كان كافيا لفتح باب التأويل الهادئ حول دلالات هذا الحضور غير المألوف في الفضاء الرياضي، خصوصا حين يتعلق الأمر بمسؤول سيادي نادر الظهور في مثل هذه المناسبات. هنا، لا يقرأ الحضور باعتباره مجاملة بروتوكولية، بل اختيارا محسوبا في لحظة رمزية.

 

ينقل هذا المشهد كرة القدم من خانة الترفيه الجماهيري إلى فضاء الدلالة السيادية. فبلادنا بمفهوم الدولة، خلال السنوات الأخيرة، لم تعد تنظر إلى الرياضة كقطاع منفصل، بل كأداة نفوذ تستثمر ضمن رؤية شاملة تمزج بين القوة الناعمة والقدرة المؤسساتية الصلبة. والنجاحات الرياضية، حين تدار بعقل الدولة، تتحول من لحظات فرح إلى عناصر قوة محسوبة.

 

يدخل حضور وزير الداخلية ضمن هذا التحول العميق في موقع الرياضة داخل الاستراتيجية الوطنية. فالرجل الذي يرتبط اسمه بتدبير الاستقرار الداخلي والهندسة الترابية والملفات السيادية الكبرى، لا يظهر في حدث رياضي إلا حين تكون الرسالة أوسع من المدرجات. ظهوره يؤكد أن الدولة تعتبر هذا المجال جزءا من منظومة الضبط والتأثير، لا مجرد واجهة احتفالية.

 

يعيد هذا الحضور طرح سؤال السياسة الحديثة، التي لم تعد تمارس فقط داخل القاعات المغلقة. فالأحداث الرياضية الكبرى تحولت إلى فضاءات موازية للدبلوماسية غير الرسمية، حيث تمرر الإشارات وتختبر العلاقات بعيدا عن ضغط الإعلان. في هذا السياق، يغدو نهائي كأس العرب منصة رمزية تتجاوز التنافس الرياضي إلى ما هو أبعد.

 

يفسر هذا التموقع أيضا في ضوء سياق إعلامي ورقمي متوتر، اختلطت فيه القراءة الرياضية بالتأويل السياسي. وفي مثل هذه اللحظات، تختار الدول الرصينة الرد عبر الصورة بدل الخطاب، وعبر الحضور بدل التصعيد. فحين تجلس الدولة في المدرجات، فإنها تعلن بهدوء أنها حاضرة، واعية، وممسكة بخيوط المشهد.

 

يؤطر هذا السلوك ضمن علاقة مغربية–قطرية تقوم على البراغماتية والتوازن، حيث لا قطيعة ولا اندفاع، بل إدارة ذكية للإشارات واللحظات. وهنا، تصبح الرياضة وسيلة لضبط الإيقاع السياسي، لا ساحة مواجهة أو استعراض.

 

يخلص المشهد، في نهايته، إلى حقيقة واحدة: أن المغرب لا يتعامل مع كرة القدم كفعل عفوي، بل كأداة من أدوات السيادة الحديثة. فالدولة، حين تختار لحظة الظهور، تفعل ذلك بوعي كامل بدلالات الصورة وقوة الرمزية. وحين تتكلم بلا خطاب، فإنها غالبا ما تكون قد قالت كل شيء. ولخصت كل شيئ المغرب يمضي في عهد قائد الأمة في عهد إسمه عهد البناء، والوحدة، والإنتصارات.

Leave a Reply

1000 / 1000 (Number of characters left) .

Terms of publication : Do not offend the writer, people, or sacred things, attack religions or the divine, and avoid racist incitement and insults.

Comments

0
Commenters opinions are their own and do not reflect the views of m3aalhadet مع الحدث