حين يصبح الصمت أبلغ من الغناء: في أخلاقيات الاحتفال زمن الجراح المفتوحة - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أخبار 24 ساعة

حين يصبح الصمت أبلغ من الغناء: في أخلاقيات الاحتفال زمن الجراح المفتوحة

IMG-20251220-WA0058

في الأزمنة العادية، قد يُعدّ الاحتفال تعبيرًا مشروعًا عن الحياة، أما في لحظات الفواجع الوطنية، فإنه يتحوّل إلى سؤال أخلاقي ثقيل: هل يحقّ لنا أن نغنّي فيما الوطن ينزف؟ وهل يجوز أن تُرفع الأضواء فيما لم تجفّ دموع البيوت المفجوعة؟

ليس الجدل حول المهرجانات جدلًا تنظيميًا أو ذوقيًا، بل هو مساءلة عميقة لمعنى الثقافة ودورها حين يختلّ ميزان الفرح والحزن. فحين تتوالى المآسي، وتفقد أسرٌ أبناءها في آسفي وفاس وغيرها، يصبح أيّ احتفال صاخب، بلا وقفة حقيقية، أشبه بصفعة رمزية لوجدان جماعي مثقل بالألم.

مقاطعة جمهور سوس لفعاليات مهرجان تيميتار لم تكن فعل رفض للفن، ولا إعلان عداء للفرح، بل كانت موقفًا أخلاقيًا صارخًا في وجه التطبيع مع المأساة. إنها رسالة واضحة تقول إن الثقافة لا تُمارَس في فراغ، وإن الفن الذي ينفصل عن سياقه الإنساني يفقد جوهره، ويتحوّل إلى عرض بلا روح.

لقد اعتدنا، بشكل مقلق، على التعامل مع الفواجع بمنطق التوقيت: حداد محدود بالأيام، وتعاطف مشروط بالبيانات، ثم عودة سريعة إلى الضجيج. هذا السلوك لا يعبّر عن قدرة على التماسك، بل عن بلادة تدريجية في الإحساس. فالأوطان لا تُقاس بقدرتها على الاستمرار فقط، بل بقدرتها على التوقّف حين يستدعي الألم ذلك.

إنّ الاكتفاء بدقيقة صمت في افتتاح مهرجان، ثم استئناف الرقص والغناء، لا يُعيد الاعتبار للضحايا، ولا يُرمّم الشرخ الأخلاقي. ما يُطلب اليوم ليس إلغاء الفرح إلى الأبد، بل إعادة ترتيب الأولويات، والاعتراف بأن الإنسان يسبق الصورة، وأن الكرامة تسبق البرمجة الفنية.

مقاطعة جمهور سوس هي فعل وعي، لا انفعال. هي احتجاج هادئ لكنه قاسٍ في معناه، يضع المنظّمين والسلطات والنخب الثقافية أمام مرآة محرجة: أيّ ثقافة نريد؟ ثقافة تُجيد الاحتفال مهما كان الثمن، أم ثقافة تعرف متى تخفض الصوت احترامًا للغياب؟

في النهاية، لا يُقاس نضج المجتمعات بعدد مهرجاناتها ولا بحجم منصّاتها، بل بقدرتها على الإنصات لوجعها الداخلي. حين يُطفئ الحداد أضواء المهرجانات، لا يُطفئ الحياة، بل يُعيد إليها معناها.

Leave a Reply

1000 / 1000 (Number of characters left) .

Terms of publication : Do not offend the writer, people, or sacred things, attack religions or the divine, and avoid racist incitement and insults.

Comments

0
Commenters opinions are their own and do not reflect the views of m3aalhadet مع الحدث