فاس… مدينة أنهكها الإرث العمراني العشوائي وعمّقته سنوات من الفساد والفوضى - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أخبار 24 ساعة

فاس… مدينة أنهكها الإرث العمراني العشوائي وعمّقته سنوات من الفساد والفوضى

Screenshot_20251211_085908_com_openai_chatgpt_MainActivity_edit_5025156141468445

لم تعد الفوضى العمرانية في فاس مجرد مظاهر متناثرة في أطراف المدينة، بل أصبحت إرثاً ثقيلاً تراكم عبر سنوات طويلة من سوء التدبير والتراخي في الرقابة. فالأحياء التي تعيش اليوم على وقع الانهيارات والتشققات لم تُبنَ في يوم أو أسبوع، بل نمت تدريجياً وسط ظرف سياسي وإداري سمح بتكريس العشوائية، خصوصاً خلال الفترات التي شهدت توسعاً غير منضبط وتسيباً في منح رخص البناء.

رخص لطابقين… تتحوّل إلى أربعة وخمسة

كانت رخص البناء في كثير من مناطق فاس تُمنح لطابقين فقط، لكن التنفيذ على الأرض كان يختلف تماماً. فقد تحولت تلك الرخص، بفعل التواطؤ أو التغاضي، إلى بنايات من أربعة أو خمسة طوابق، تتكئ على أسس ضعيفة وتتحمل فوق طاقتها.
انتشرت هذه الظاهرة حتى أصبحت عرفاً غير مكتوب، خصوصاً في الأحياء الهشة التي تحيط بالمدينة. هناك، كان شراء “سطح” مبنى قديم أو ما يُعرف بـ “الهوا” كافياً لبدء التشييد بعيداً عن أعين الرقابة. يبدأ البناء ليلاً في صمت، ثم يظهر إلى العلن تدريجياً لتصبح الشقة أمراً واقعاً، بلا وثائق ولا مراجعة هندسية.

التوسع العشوائي… حصيلة مرحلة بلا رقابة

في مرحلة مفصلية من تاريخ المدينة العمراني، جاء توسّع مباغت داخل الأزقة الهشة ليسفر عن اختلالات خطيرة.
أعمال الصيانة أو إعادة التهيئة كانت تكشف في كل مرة وجود فرشات مائية مصدرها شبكات الصرف الصحي المتقادمة، تجري مباشرة تحت البنايات.
مبانٍ لا تتجاوز مساحتها 45 مترًا مربعًا ارتفعت إلى خمسة طوابق، كل طابق منها يضم أسراً يتراوح عدد أفرادها بين ستة وثمانية، في كثافة سكانية هائلة فوق بنية تحتية منهكة.

هذا الواقع لم يكن استثناءً، بل قاعدة تتكرر في أحياء مثل لابيطا، بنسليمان، عوينات الحجاج، 45، بنزكور، جنان لقرودة والمسيرة، حيث ارتفع البناء الليلي وتحول إلى نشاط شبه عادي في ظل غياب الرقابة وانشغال السلطات خلال مراحل معينة.

فترة الانتخابات… موسم التشييد غير القانوني

كان البناء العشوائي يجد في الفترات الانتخابية فرصته الذهبية.
تراجع المراقبة وانشغال مختلف الجهات بالاستحقاقات جعل من تلك الفترات نافذة مفتوحة لمن يريد إضافة طابق أو بناء شقة جديدة فوق الأسطح.
ففي تلك المواسم، كانت الأحياء تعرف حركية ليلية نشطة من نقل مواد البناء تدريجياً—كيس رمل كل يومين، وقضبان حديد تُرفع خفية—إلى أن يكتمل الطابق من دون أن يُسجل رسمياً أو يخضع لأي فحص هندسي.

فاس اليوم… مدينة فوق هشاشة

إن أي زلزال قوي، على غرار زلزال الحوز، لو وقع على مقربة من فاس—لا قدر الله—فإن أحياء كاملة مهددة بالانهيار في دقائق. فالبنية العمرانية في عدد من المناطق قائمة على أسس ضعيفة، فوق شبكات مائية وصرف متآكلة، وبكثافة سكانية تفوق قدرة تحمل المباني.

هذه الوضعية ليست نتيجة ظرف طارئ، بل حصيلة تراكمات امتدت لسنوات من العشوائية، وغياب تطبيق القانون، وتورّط أفراد ومسؤولين في تحويل المدينة إلى كتلة إسمنتية غير مستقرة.


المحاسبة… ضرورة لإنقاذ ما تبقى

اليوم، لم يعد الحديث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة ترفاً سياسياً أو مطلباً شعبياً ظرفياً، بل ضرورة ملحة لحماية الأرواح وإعادة بناء الثقة. ففاس، بتاريخها الحضاري والعلمي والثقافي، لا تستحق أن تبقى أسيرة ممارسات عمرانية شوهت نسيجها وأغرقت أحياء واسعة في الفوضى.

إن إنقاذ ما يمكن إنقاذه يبدأ بإعادة الاعتبار للقانون، ومراجعة صارمة للرخص، وتقييم شامل للبنايات الهشة، ومحاسبة لكل من ساهم في هذا الإرث الذي يهدد المدينة وسكانها.

Leave a Reply

1000 / 1000 (Number of characters left) .

Terms of publication : Do not offend the writer, people, or sacred things, attack religions or the divine, and avoid racist incitement and insults.

Comments

0
Commenters opinions are their own and do not reflect the views of m3aalhadet مع الحدث