لم يعد ما يحدث في حي الشرف بمدينة السمارة مجرّد فوضى عابرة… بل بات واقعا مقلقاً يتنامى بصمت، ويطرق أبواب البيوت دون استئذان. فحرق الأزبال داخل مجال سكني مكتظ، وعلى مرمى أمتار من المحطة الطرقية القديمة، لم يعد فعلاً طائشاً هنا أو هناك، بل سلسلة اعتداءات مستمرة على البيئة وصحة السكان، يرتكبها البعض باستخفاف مثير للقلق وكأن الهواء المشترك لا يعني أحداً.
الدخان الأسود الذي يتصاعد من أكوام الأزبال المشتعلة يجرّ خلفه سلسلة متشابكة من الأخطار: روائح خانقة تخترق البيوت، تهيّجات تنفسية تضرب الأطفال وكبار السن، وحالات اختناق متكرر سجلها عدد من المتضررين. الأسر أغلقت نوافذها في وضح النهار هرباً من غازات سامة تُطلق في الهواء بلا رقيب، بينما التجار شاهدوا زبائنهم يفرّون من المكان تفادياً للتلوث المنتشر في كل زاوية.
هذه ليست مجرد مخالفات بسيطة؛ إنها ممارسات تكشف خللاً خطيراً في السلوك المدني وتجاهلاً صارخاً لقوانين تدبير النفايات التي وُضعت لحماية حياة الناس قبل أي شيء. إن إضرام النار في الأزبال داخل محيط سكني هو جريمة في حق البيئة وصحة السكان، وجريمة في حق الحي الذي يرفض أن يتحول إلى بؤرة روائح خانقة ودخان سام.
الأدهى أن تكرار هذه الوقائع يبعث برسالة سلبية مفادها أن الفوضى قادرة على أن تجد لنفسها مكاناً دائماً ما لم تُواجَه بالحزم. فترك هذه الظاهرة دون ردع يفتح الباب أمام المزيد من التجاوزات، ويحوّل الحي إلى نقطة سوداء تختنق بالتلوث يومياً، في وقت أصبحت فيه جودة الهواء جزءاً أساسياً من حقوق المواطنين وضمان سلامتهم.
السكان الذين لم يعودوا يحتملون هذا العبث، طالبوا بتدخل فوري وصارم من الجهات المختصة: مراقبة دائمة، عقوبات تردعية، معالجة جذرية للنقاط التي تتحول إلى مكبات عشوائية، وإلزام كل طرف بتحمل مسؤوليته. فالهواء الذي يتنفسه الناس ليس مجالاً للتجارب ولا مساحة مفتوحة للانفلات السلوكي.
إن ما يجري اليوم هو دعوة صريحة إلى اتخاذ موقف حازم قبل أن تتفاقم الأمور. فحيّ الشرف يستحق بيئة سليمة، لا سماء محملة بالدخان وروائح الاحتراق. وقد آن الأوان لوقف هذا النزيف البيئي ووضع حدّ نهائي للممارسات التي تهدد صحة المواطنين وتشوّه سمعة الحي. فإما أن نواجه الفوضى بقوة القانون… أو نترك الدخان يكتب مستقبل المكان.


Comments
0