تحت قبة البرلمان، الضجيج عالٍ لدرجة لا يسمع معها المواطن سوى تحرك الكراسي وهي تتزحلق نحو الامتيازات، أما الأسئلة فتبقى شفوية لأنها تخجل أن تصبح مكتوبة في محاضر تحاسب. هكذا يحول الانفعال إلى إنجازٍ في مسرح البرلمان، و يقاس الأداء بعدد الإشارات بالأصابع لا بعدد الحلول في الواقع.
صارت مكافحة الفساد موسما انتخابيا أو ما يعرف في كرة القدم ب “الميركاتو الشتوي : نرفعها حين اقتراب موعد الانتخابات ، و نخفضها كستار مساء حين يطرق “التمويل” الباب، و ما ادراك ما “التمويل”ثم ننصح المواطن بالصبر و التحلي بعين العقل لأن الإصلاح يحتاج جيلاً … وجيلا آخر احتياطيا. فأبطال المسرحية يوهموننا ان “النهب شطط فردي” و أن المؤسسات بخير طالما تمتلك ميكروفونا رنانا.
مع اقتراب موعد الانتخابات تصبح الجلسات البرلمانية مقابلات حامية الوطيس و كأنها مقابلات إقصائية في Chapions league قصد التأهل للحكومة الجديدة المقبلة ففريق يحسن المراوغة بكلمات جميلة رنانة، و فريق يقذف و يهاجم معتمدا خطة (Bloc haut)ترتكز على كل ما هو مبتذل و مهين، و بينهما حكم يوزع بطاقات إنذارية لا صفراء و لا حمراء ، هم وحدهم يعرفون أنها قادمة زرقاء إلى جيوبهم ، كما يتفنون في الإختباء من غرفة ال”VAR” وراء مصطلحات بريئة منهم إلى يوم الدين، من قبيل (*احتراما للتوجيهات” وتنتهي بـ“ومصلحة البلاد تقتضي”* لتلميع الأعذار، و تسجيل أهداف في حالة شرود و نيل أهداف غير قانونية.
عندما يسأل المسؤول عن المال العام، تفتح خزانة الشفوي “*غير داوي خاوي*”وتغلق خزانة الوثائق، فيُقنعنا أن الفضيحة مجرد “سوء فهم إداري” و لا تحتاج منا سوى و كأنها “حادثة سير عادية” تسوية ودية (constat à l’amiable)و أن تحويل الملايين كانت مصاريف في رحلة عمل مجهولة العنوان يا ولدي ، أما جلسة البرلمان البارحة فستفتش عنها يا ولدي في كل مكان ، و لن تجد لها يا ولدي لا ارض و لا وطن و لا عنوان ، فما أصعب يا ولدي أن تهوى وطنا ليس له برلمان . و ستعرف بعد رحيل الحملة انك كنت تطارد خيط دخان .
في الجلسة الأخيرة للأسئلة الشفوية، يوم الاثنين واحد دجنبر 2025 تحوّل البرلمان إلى حلبة ملاكمة صوتية؛ الصراخ يعلو، و الأصابع تشهر، و الميكروفونات تطفأ و تشغَّل، كأن هم الوطن الوحيد هو من يربح جولة “النقط النظامية” لا من يحل مشاكل الناس يا عباس.
وهكذا تصبح الحكومة “حكومة قانون” بفضل قانون وحيد: لا جريمة مع حسن النية السياسية. أما النخب فتمارس المقاومة الناعمة للشفافية، و توقنع نفسها أن السخرية الشعبية مؤامرة، بينما الحقيقة أبسط: الناس تضحك لأن البكاء أصبح بروتوكولا يحتاج ترخيصا برلمانيا.
بلغ بنا “تطبيع” النخبة مع الفساد أن النقاش لم يعد حول نهب المال العام بل حول من يحتكر حق الصراخ ضده أمام الكاميرات فتصبح الجلسات جلسات أو سباق ” صياح الديكة” فقط . إنهم يتخاصمون على التنديد أكثر مما يختلفون على الحلول، حتى بدا الفساد نفسه مطمئنا و هو يتابع البث المباشر.
رغم كل شيئ في ظل الأحداث الأخيرة في البرلمان، يجب احترام و تقدير بعض ممثلي الأمة و المسؤولين في الحكومة “و الله وحده يعلم خبايا الصدور “الذين يثبتون حبهم للوطن و الإخلاص له و لقائد الأمة المملكة المغربية حفظه الله و أطال الله في عمره، هؤلاء الأوفياء يعملون بجد وتفان لتدبير شؤون البلاد والمواطنين، رغم قلتهم و الضغوط و التحديات الكبيرة التي تواجهها المملكة المغربية . فالمحافظة على هذا الولاء الوطني و التشبت به هو أساس المحافظة على الوحدة الترابية و رقي الوطن وازدهاره، وهم يستحقون كل دعم وتقدير لما يقدمونه من جهد في خدمة الوطن والمواطن.
اللهم بارك


Comments
0