حين يختبر البرد صبر المعرفة… طلاب الماستر يكتبون درساً قاسياً على أبواب الحي الجامعي - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أخبار 24 ساعة

حين يختبر البرد صبر المعرفة… طلاب الماستر يكتبون درساً قاسياً على أبواب الحي الجامعي

IMG-20251210-WA0001

لا شيء يبعث على القلق أكثر من أن يتحوّل الفضاء الجامعي، الذي وُجد لاحتضان العقول، إلى مسرح صامت يتجوّل فيه البرد بلا رقيب، فيما يصمد طلبة سلك الماستر بجامعة ابن زهر بأكادير في اعتصام مفتوح تجاوز أيامه العشرة. عشر ليالٍ من العراء، من مواجهة صقيع يفترس العظام، من انتظار لا ينتهي. عشر ليالٍ تكشف هشاشة واقع لا يرحم المتعلمين، وإن رفع شعارات العدالة والإنصاف.

هؤلاء الطلبة، الذين يفترض أن يكونوا ثروة معرفية ومشروع باحثين، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى نصب أجسادهم دروعاً أمام الإهمال. وكأنّ الجامعة تقول لهم، ضمناً لا تصريحاً: “تعلّموا كيف تقاومون وحدكم”. لكن أي مقاومة تُطلب من شاب يحمل كتبه في يد، ولحافاً خفيفاً في يد أخرى، بينما تحوم حوله رياح باردة كأنها تُجري امتحاناً يسبق امتحاناته الأكاديمية؟

إنّ ما يحدث أمام الحي الجامعي ليس مجرد اعتصام عابر، بل صفعة أخلاقية لكل الجهات التي فضّلت الصمت، أو اختبأت خلف مكاتب دافئة. كيف يُعقل أن يُترك طلبة الماستر، في مرحلة هي الأرقى أكاديمياً، على قارعة الطريق ينتظرون حقاً يُفترض أن يكون بديهياً؟ أيّ منطق يقبل أن تتحول الجامعة إلى فضاء يطرد طلابها نحو الشارع بدلاً من أن يحتضنهم؟

الطلبة لا يطالبون بالكثير. لا يريدون امتيازات فوق العادة ولا مناصب مضمونة. يريدون فقط سَكَناً يحفظ إنسانيتهم، أو على الأقل وسيطاً مسؤولاً يسمعهم قبل أن يحصي أعداد الغياب والحضور. يريدون حواراً يحترم عقولهم، لا أبواباً موصدة ورسائل صامتة تُقاسمهم القسوة.

إنّ استمرار هذا المشهد أمر مُهين لمؤسسة تُعرّف نفسها بأنها مركز للبحث والإبداع. فكيف يمكن للجامعة أن تُخرّج أجيالاً تحمل لواء الإصلاح، بينما تعجز عن إصلاح علاقة بسيطة مع طلبتها؟ وكيف يمكن الحديث عن جودة التعليم بينما يعاني الطلبة من أبسط شروط العيش؟

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بات لزاماً على الجهات المعنية أن تتحرك قبل أن يتحول هذا الاعتصام إلى شرارة غضب أوسع. القضية ليست في عدد المحتجين، بل في الرسالة التي يحملونها: أنّ الكرامة ليست بنداً تفاوضياً، وأنّ الطالب ليس رقماً يسهل تجاوزه أو تجاهله.

وعلى الجامعة أن تدرك أن صمتها لم يعد مقبولاً، وأنّ الطلاب الذين ينامون في العراء اليوم، قادرون غداً على تغيير المعادلة… بالكلمة، بالاحتجاج، وربما بما هو أشد وقعاً. فإلى متى يُختبر صبر المعرفة؟ ومتى يستيقظ الضمير قبل أن يفوت الأوان؟

Leave a Reply

1000 / 1000 (Number of characters left) .

Terms of publication : Do not offend the writer, people, or sacred things, attack religions or the divine, and avoid racist incitement and insults.

Comments

0
Commenters opinions are their own and do not reflect the views of m3aalhadet مع الحدث