في مجتمعٍ لطالما اعتُبر الزواج فيه رباطًا مقدسًا، أصبح التفكك الأسري والطلاق اليوم ظاهرة تتسارع وتثير القلق. لم يعد الطلاق مجرد خلاف بين زوجين، بل أصبح ناقوس خطر يقرع في نعش الحياة الزوجية، مهددًا استقرار الأسرة ومؤشرات التنمية الاجتماعية.
تشير الإحصاءات إلى تزايد معدلات الطلاق بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير، ما يعكس عمق الأزمة التي لم تعد تقتصر على علاقة الزوجين فحسب، بل تمتد آثارها إلى الأطفال، الذين يعيشون صدمة التفكك، وإلى المجتمع، الذي يفقد تماسكه تدريجيًا. ومن هنا تبرز الحاجة الملحة لتدخل حكومي منظم يهدف إلى تأهيل الشباب المقبل على الزواج قبل الإقدام على خطوة تحمل مسؤوليات جسيمة.
تأهيل الشباب ليس رفاهية، بل ضرورة، فهو يمنحهم أدوات التعامل مع التحديات اليومية، ويزودهم بمهارات إدارة النزاعات، وفهم أسس الحوار البنّاء، والوعي الكامل بأبعاد الالتزام العاطفي والاجتماعي. برامج كهذه لا تكتفي بإكساب المعرفة النظرية، بل تعزز من النضج النفسي والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، لتتحول الحياة الزوجية إلى شراكة حقيقية مبنية على الاحترام والتفاهم.
إن الطلاق ليس حدثًا عابرًا، بل كارثة صغيرة تتسع لتصيب جميع أطراف الأسرة. فالأطفال غالبًا ما يدفعون الثمن الأكبر، ويتركون ندوبًا نفسية يصعب محوها، بينما تتأثر شبكة العلاقات الاجتماعية، ويزداد الشعور بالاضطراب وعدم الاستقرار في المجتمع. وهنا تأتي مسؤولية الدولة والمجتمع، في تبني برامج وقائية فعالة، تعزز من ثقافة الزواج الصحي، وتحد من الهدر الاجتماعي الناتج عن التفكك الأسري.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبح المجتمع بحاجة إلى وعي جماعي حول أهمية الإعداد للزواج ومسؤولياته. فالزواج ليس مجرد مراسم احتفالية، بل مشروع حياة طويل الأمد، يحتاج إلى دراسة، ونضج، وصبر، وتفاهم متبادل. إن الاستثمار في تأهيل الشباب قبل الزواج هو استثمار في مستقبل الأسرة والمجتمع بأسره، وفي حماية الأجيال القادمة من آثار الانفصال المبكر.
في نهاية المطاف، يبقى الطلاق ناقوسًا يحذرنا جميعًا، ولكنه أيضًا دعوة للاستيقاظ والعمل بوعي ومسؤولية، للحفاظ على كيان الأسرة، الذي يمثل الركيزة الأساسية لأي مجتمع متماسك.


Comments
0